خطبه:"إن كان بيني وبين من هو منكم شيء من أحكامكم، أن أمشي معه إلى من أحبَّه منكم، فينظر فيما بيني وبينه"، وهذا نهاية ما يحتج به للمساواة؛ لما فيه من التصريح بأن كل واحد من الرعية محكوم من وجه، حاكم من وجه آخر، فلا يسوغ للحاكم أن يقضي لنفسه، كما لا يجوز له القضاء بشهادته لغيره، بل يرفع الخصومة إلى غيره من الحكام، وإن لم يكن معه حاكم، رفع ذلك إلى رجل من رعيته؛ كما فعل عمر وهو خليفة، حين قاضى رجلاً إلى أبيّ ابن كعب، وأبيّ بن كعب ليس بذي سلطان.
وكتب عمر في رسالته إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: "وآس بين الناس في مجلسك ووجهك وعدلك، حتى لا ييئس الضعيف من عدلك، ولا يطمع الشريف في حيفك"، ولم يقتصر على التعاليم القولية حتى عززها وشد نطاقها بمثلها من الأعمال المطابقة؛ كقصته مع جبلة بن الأيهم ملك غسان، وما شاكلها.
* الحرية في الأموال:
هي إطلاق التصرف لأصحابها يذهبون في اكتسابها، والتمتع بها على الطريق الوسط، دون أن تلم بها فاجعة اغتصاب، أو تتخطفها خائنة كيد واحتيال، فاقتضى هذا البيان إجراء البحث في أربعة مطالب: اكتساب الأموال - طريقها الوسط - التمتع بها - الاعتداء عليها:
- اكتسابها:
لما كان المال معونة على الدين، ومادة لنشأة الحياة الطبيعية، حتمت الإسلامية السعي خلف اكتسابه، وأذنت في الاسترزاق بكل عمل لا يتبع صاحبه بأذى، ولا يلحق بغيره ضرراً، قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي