ومن أدله المساواة: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: ١٠]. أخذت هذه الآية بعضد المستضعفين من الناس، وأوقفتهم في مرتقى أولي القوة جنبًا لجنب؛ إذ المعروف في الإخوة: اتحادهم في النسب، وهو يقتضي عدم تفاضلهم وتمايزهم في الحقوق، فالآية - وإن دلت على التوادد والتراحم من جهة - لا تخلو من الدلالة على المساواة من جهة ثانية.
وسار أبو بكر الصديق بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بسيرة القرآن، فلم تشغله مقاليد الخلافة في يده أن يقوم خطيبًا على ملأ من المسلمين بقول:"أيها الناس! قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق -إن شاء الله تعالى". ثم قال:"أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم". فعين بهاته الخطبة للحكومة الإسلامية مركزاً ثابتاً تدير عليه أمور سلطتها، وذلك قوله:"أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم". وفتح في وجوه الرعية فُرَجاً يرددون منها أنفاس الحرية مع أولي الأمر، وأمر بالإنكار والمعارضة عندما تنحرف تلك السلطة عن مركزها يمينًا أو شمالًا، وذلك قوله:"وإن أسأت، فقوموني"، وجعل بيدهم عقدة عزل الأمير وتركه غير مأسوف عليه، إن لم يقوّم اعوجاجه، ويرجع بسلطته إلى دائرتها المرسومة لها شرعاً، وذلك قوله:"فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم"، وقوله:"والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق" من دلائل المساواة.
وانظر إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كيف يخاطب رعيته بقوله في بعض