تكاليفها على شكل التكافؤ، وأديرت سياستها على قطب المساواة، فلا فضل فيها لشريف على وضيع، ولا امتياز لملك على سوقيّ، والعقوبة الموضوعة على صعلوك الأمة هي المحمولة على سيدها بدون فارقة، فلو ادعى أبو بكر الصديق، أو عمر بن الخطاب على أدنى الناس وأفسقهم درهماً واحداً، لم يقض له باستحقاقه إلا بشهادة عادلة، وهذا المعنى عام في جملة الشريعة وتفاصيلها، ولا يبعد استفادته من الآية التي كنا بصددها؛ فإن قوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: ١٣] وضع جميع الامتيازات وطرحها عن محل العناية والاعتبار ما عدا التقوى، والتقوى نفسها لم يجعل الشارع لها أثراً في تغيير الحدود، أو الاختصاص بحظ زائد من الحقوق ضرورة، إن التقوى عبارة عن العمل طبق أحكام الشريعة بنية وإخلاص، فالشريعة سابقة على العمل، والعمل تابع لها، ولم يخرج عن هذا الأصل إلا بضعة أحكام خصّ بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أفراداً من الصحابة بأعيانهم؛ كجعل شهادة خزيمة بشهادتين؛ فإنه أسرعَ دون من حضر من الصحابة إلى الشهادة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه قد بايع الأعرابي، واستند في شهادته إلى البراهين الدالة على وجوب تصدبقه - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يخبر به، لا فرق بين ما يخبر به عن الله، وبين ما يخبر به عن غيره، فتفطنه لأخذ حكم هذه القضية من الأدلة العامة مزيةٌ استحق بها هذه الخصوصية.
ونظراً إلى قاعدة المساواة، قال علماء الأصول: خطاب الشارع لواحد - إن لم يدل الدليل على اختصاصه بالحكم - يعم جميع الأمة. ولكن تنازعوا في طريق العموم، قالت الحنابلة: يتناولها بنفس الصيغة، وقال غيرهم: يتناولها بالدليل المرشد إلى تساوي الأمة واشتراكها في الأحكام.