للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حياة الأمّة (١)

لتجدن أشد الناس فتوراً وأضعفهم عقدة في رابطة بني جنسه، من يرى أمة متمسكة بأذيال المدنية ساعية وراءها بحركات تبهر العيون وتدهش الألباب، ترفل في ملابس الرفاهية تحت ظلال عز مكين، ويشاهد أمة أخرى في أسوأ منظر من خشونة الحال وشظف العيش وجهومة المسكنة، ثم لا يسأل الناس إلحافاً عن الأسباب التي ترتفع بها قواعد العمران، والعلل التي تخرُّ بها على عروشها.

من الناس من لا يعرف للحياة معنى سوى ما يشاركه فيها أخس الحيوانات، حتى إذا نال طيباً في مطعمه، وليناً في مضجعه، قال: "على الدنيا العفاء"، كان لم يكن آمناً في سربه. فلا وربك إن للأمم حياة وراء الصفة التي تقتضي الحس والحركة، وبها تقف في مصاف المستظلين بسُرادق السعادة.

حياة الأمة بتعاضد أفرادها على صيانة سياجها المدني من الاضمحلال، وتدعيم أصوله بيد الإتقان والاختراع. حياة الأمة بنهوض أبنائها إلى قرع أبواب التقدم جهد أنفسهم، رغماً عن أنوف الذين يئسوا منه، ورضوا بأن


(١) العدد السادس - الصادر في ١٦ ربيع الأنور ١٣٢٢.