يكونوا مع الخوالف، وطفقوا يدسون في كل مهجة سم الذل والخور، بعد استفراغها من نخوة العز والشهامة. حياة الأمة بانصراف وجهائها إلى توفية المصالح العامة حقها وإيثارها على مصالحهم الخاصة، وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله. حياة الأمة بتحمل كل طائفة منها حظاً عظيماً من وسائل لوازمها البدنية والعقلية، وسدِّ كل ثلمة من الحاجات ما تزايدت، ولنضرب لذلك مثلاً:
الفلاحة التي هي أقدم الصنائع وأجداها نفعاً، عبارة عن عمارة الأرض، باستصلاحها واستثمار نباتها، فإذا أمعنا في الأعمال التي تتألف منها هذه الصناعة، وهي إثارة الأرض، وازدراعها وعلاج النبات، وتعهده بالسقي والتنمية، إلى بلوغ غايته، ثم حصاده واستخراج حبه من غلافه، رأينا في مباشرتها ضروباً من المعاناة لا يهون على العملة اقتحام أخطارها إلا رجاؤهم لاستدرار خيراتها من بعد، فإذا استحدثت آلات جديدة، وابتكرت طرق تخفف وطأة تلك المصاعب، وتعظم بها نتائج الاستغلال، أفلا يجدر بنا أن نضرب فيها بالسهم الوافر طبقاً لما أمرنا به من الاقتصاد في الأموال، وتربية فوائدها، والتباعد عن الحرج والمشقة ما استطعنا لليسر سبيلا؟. ومن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالاتها، يعلم أن الأعمال الاعتيادية مدار أحكامها على رعاية المصالح وجوداً وعدماً، فلو لم تقم نخبة من أهل النهضة، يغتنمون استجلاء تلك الطرق وتعليمها لأبناء الوطن، مجاراة لمن اتخذها وسيلة لاستعمار الأرض فكملت بها قوته، وازداد بها ملكه وثروته بسطة، لبقيت خدشة في وجه الجامعة الإسلامية، وهكذا سائر الصنائع التي تمس الحاجة إليها، ينبغي الأخذ فيها بالطرق التي هي أيسر كلفة وأربى