ومثال ما لا يثق به النظر، ولا يدخل في حساب الأقوال القائمة على التحقيق: قول الشاعر:
ترى الثيابَ من الكتان يلمحها ... نورمن البدر أحياناً فيبليها
فكيف تنكر أن تبلى معاجرها (١) ... والبدر في كل وقت طالعٌ فيها
أبصر معاجر من يتحدث عنها وقد أخلقت، فحاول التماس وجه يجعل ذلك الإخلاق من شواهد حسنها، أو يسد فم العاذل حتى لا يغض من شأنها، فتصوّر طلعة القمر، وانساق إليه ما يدور بين الناس من أن الثياب التي يمج عليها القمر أشعته يسرع إليها البلى، ثم ادعى مبالغاً في التشبيه أن وجهها قمر، وبنى على هذا: أن تعجّب ممن ينكر تأثيره في معجرها بالإخلاق.
ففي هذا التصرف ادعاء أن وجهها قمر، وهذا مما يألفه العقل؛ لأنه بمنزلة التشبيه، ولا مفرّ له من قبول التشبيه متى تحقق الوجه بين طرفيه، والمعنى الذي للعقل أن يلتفت عنه، إنما هو دعوى أن معجرها أخلق بعلة كونه مطلعاً لوجهها المسمّى بالقمر على وجه المجاز.
* ماذا نريد من التخييل؟
يفهم من صريح المقالة الفلسفية: أن المفكرة والمخيلة اسمان لقوة واحدة، وهي التي تتصرف في المعلومات بالتفصيل والتركيب، وإنما تغير اسمها بحسب اختلاف الحال، فعندما يكون زمامها بيد العقل يسمونها: مفكِّرة، وعندما تنفلت منه يسمونها: مخيّلة.