وجه الصحة، لا يعدلون إلى التفاهم بغيرها إلا عند الحاجة، ومتى أهملت الأمة لغتها، وزهدت في تعلمها، انفصمت عرا جامعتها لا محالة، وتفرقوا أيدي سبأ، فإذا قام مناد يدعو أمة إلى نبذ لغتها، وأن تستبدل بها لغة أخرى، فإنما يريد انقسام وحدتها، وإخراجها من صبغة جنسها.
ولن تتقدم أمة في معارج النهضة والرقي إلا بوسيلة لغتها، وعلى قدر ما تحتفظ بلغتها ترتقي في حياتها الأدبية، فمثل اللغة مع حال الأمة كالمثاقيل التي توضع في مقابلة الموزون، فبحساب ما ينقص من اللغة، ينزل ما يقابلها من حال الأمة إلى درك الشقاء؛ إذ لا يؤثر على إحساسهم في تذكيرهم بمجد الآباء، أو يهيج بعواطفهم إلى الاتحاد، والأخذ بوسائل السعادة غيرُ لغتهم الراقية، واعتبر في ذلك ببلاد الأندلس؛ فإن من أسباب سقوطها، ونزع أيدي المسلمين من ولايتها: ضعف اللغة العربية عندهم، ومسخ صورتها بما خالطها من الكلمات والأساليب التي لا تطابق وضعها، ولا تحتملها طبيعته.
* أطوار اللغة العربية:
لم يأت الباحثون عن مبدأ اللغة في أدلتهم بما تطمئن إليه النفوس، ويحل منها محل القطع، أو الظن القريب منه. على أن اختلافهم في تعيين الواضع هل هو الله تعالى، أو البشر؟ مما لا تترتب عليه فائدة في العمل تقتضي العناية بترجيح أحد المذهبين، ومن ثم صحح المحققون: أن ادخال هذه المسألة في علم الأصول من الفضول، وزعم بعضهم: أن قلب الألفاظ التي يؤدي تغييرها إلى فساد في أحكام الشريعة؛ كتسمية الثوب فرساً، والفرس ثوباً، يرجع حكمه إلى أصل ذلك الخلاف، فيمتنع القلب على القول بأن اللغة كلها وقعت بتعليم من الله، ويجوز على القول بأنها وضعت باصطلاح البشر، وليس هذا