بذكاء وإخلاص، بلغ في تحقيق تاريخ العرب وآدابهم الغاية التي ليس بعدها مرتقى.
* العبقرية لا وطن لها:
قال المؤلف في (ص ٤٥): "وإذا كان في مصر الآن قوم ينصرون القديم، وآخرون ينصرون الجديد، فليس ذلك إلا لأن في مصر قوماً قد اصطبغت عقليتهم بهذه الصبغة الغربية، وآخرين لم يظفروا منها بحظ، أو لم يظفروا منها إلا بحظ قليل. وانتشار العلم الغربي في مصر وازدياد انتشاره من يوم إلى آخر، واتجاه الجهود الفردية والاجتماعية إلى نشر هذا العلم الغربي، كل ذلك سيقضي غداً أو بعد غد بن يصبح عقلنا غربياً".
لا يفوت أحداً أن في الغرب علماً وثقافة، واختيار أسلوب في البحث والتأليف، وذلك شأن كل أمة تجد من زعمائها أو أمرائها من يأخذون بأيديها إلى نهضة علمية ضافية. والذي نلفت له نظر القرّاء: ألا يأخذهم الاعتقاد بتفوق الغرب علماً وثقافة إلى أن يُطرقوا أمام كل رأي أو مقال يصدر من غربي حقاً، أو غربي تقليدًا، وحقيق عليهم أن يحتفظوا بألمعيتهم، ويناقشوا الآراء الغربية، أو المدعية أنها من نسل عقلية غربية، ولا يمنحوها من الاحترام ما يحجم بهم عن نقدها، والبحث عن منشئها، وما يترتب عليها من النتائج، ثم لا يترددوا في أن يحكموا عليها بالصحة أو البطلان حكماً لازباً.
ولا يقصد المؤلف حين يلهج بمنهج (ديكارت)، ويشير إلى أن عقليته أصبحت غربية، إلا التأثير على طلابه في الجامعة حتى يصغوا إلى حديثه كأن على رؤوسهم الطير، ويتلقوا آراءه بالتصديق والخضوع.