للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفيلسوف، ولكنه لا يرغب في أن تشعر تلك الطائفة القليلة بذلك المقال؛ لأنه لا يستطيع بعد شعورهم هذا أن يريهم منهج (ديكارت) في صورة المبتكر الذي لم ينسج على مثال، ولا يستقيم له أن يسمّي الثقافة وتحقيق البحث: عقلية غربية.

أوردنا ذلك المنهج في (صفحة ٣٧). وقد زاده صاحبه إيضاحاً بقوله: "فإن النفس إذا كانت في حال الاعتدال في قبول الخبر، أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه، صاذا خامرها تشيع لرأي أو نحلة، قبلت ما يوافقه من الأخبار لأول وهلة، وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص، فتقع في قبول الكذب ونقله". ثم فصل القول في أسباب الكذب، فقال: "ومن الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار أيضاً: الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح. ومنها: الذهول عن المقاصد، فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه، فيقع في الكذب. ومنها: توهم الصدق، وهو كثير، وإنما يجيء في الأكثر من جهة الثقة بالناقلين. ومنها: الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع؛ لأجل ما يداخلها من التلبيس والتصنع، فينقلها المخبر كما رآها، وهي بالتصنع على غير الحق في نفسه. ومنها: تقرب الناس في الأكثر لأصحاب التجلَّة والمراتب بالثناء والمدح، وتحسين الأحوال، وإشاعة الذكر بذلك، فيستفيض الإخبار بها على غير حقيقة" (١).

وإذا ضممت هذا إلى ما نقلناه عنه آنفا، رأيت منهجاً متى سلكه الباحث


(١) "المقدمة" (ص ٢٩).