هذه الغاية، ولكنه ربط قلبه بعواطف تضاد هذه القومية وهذا الدين، فاضطر إلى محاباتها وإرضائها، وستناجيك الفصول الآتية بسطوة هاتيك العواطف، وما نفشت فيه من أدب وتاريخ.
* العلم لا يعترض حقائق الدين:
قال المؤلف في (ص ١٢): "وهل فعل القدماء غير هذا؟ وهل أفسد علم القدماء شيء غير هذا؟ ".
للقدماء عواطف دينية، وأخرى قومية، وقد تأخذ عاطفة العقيدة أو القومية من خف وزنه، فيقول ما ليس بحق، أما الذين أوتوا العلم الراسخ والاستقامة، فإن الذي يتقصى أثرهم بذكاء وإنصاف يقف على أنهم كانوا يطلقون أعنة النظر في كل بحث، ويأخذون أنفسهم بالأدلة من محسوس أو معقول.
وهذه مؤلفاتهم في العلوم النظرية من إلهيات وكونيات، أو في العلوم السمعية من شرعيات وأدبيات، تشهد بأنهم كانوا في حرية الفكر والتحري في الرواية بالمنزلة التي تجعلهم أساتذة العالم ونجوم هدايته.
كانوا يستقبلون البحث بعقولهم، ولم يروا أنفسهم في حاجة إلى التجرد من دينهم؛ لأن حقائقه الناطقة لا يعترضها العلم في كبير أو صغير، ولو فرضنا أن إتقان البحث يتوقف على التجرد من الدين، وصنعوا ما صنع المؤلف عند أخذه في هذا النحو الجديد من البحث، لعادت بهم أحلامهم الراجحة إلى لباس التقوى، ولم يرزأهم العلم من دينهم شيئاً، ولم يرزأهم دينهم من العلم نقيراً.