قال المؤلف في (ص ١٤): "ولكن المنصفين من العلماء، والمتكلفين منهم، قد أعجزهم أن يجدوا في كتاب الله تعالى حجة لرأيهم، فانصرفوا عنه إلى ما رأيت من دعوى الإجماع تارة، ومن الالتجاء إلى أقيسة المنطق وأحكام العقل تارة أخرى".
سمى المؤلف طريق الاستدلال الذي نحاه الأستاذ الشيخ محمد بخيت، ومن تقدمه من علماء الكلام: قياساً منطقياً، وحكماً عقلياً، وهذا مما يخيل إلى القارئ أن هذا الضرب خارج عن الأدلة الشرعية، والتحقيق أنه راجع إلى الأدلة السمعية، ويشهد بهذا قولهم: إن نصب الإمام عندنا واجب سمعاً؛ لوجهين: الوجه الأول: الإجماع، والثاني: هذا الدليل الذي اختار المؤلف أن يسميه: حكماً عقلياً.
وإن شئت بيان ما صرف عنه المؤلف عبارته -من أن ذلك الاستدلال قائم على نظر شرعي-، فإليك البيان:
يعتمد استنباط الأحكام على نظرين: أحدهما: يتعلق بالأدلة السمعية التي يقع منها الاستنباط، وثانيهما: يرجع إلى وجود الدلالات المعتد بها في الاستعمال.
أما الأدلة السمعية، فهي الكتاب، والسنّة، والإجماع. وأما وجوه الد لالات، فدلالة بالمنطوق، ودلالة بالمفهوم، ودلالة بالمعقول. ويندرج في دلالة المعقول ما يسمونه بالقياس.
فانحصرت الأدلة الشرعية العالية في الكتاب والسنّة والإجماع والقياس.
وهناك أدلة أخرى ترجع إلى هذه الأصول العالية، وهي: القواعد