للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حيث وقف أبو علي البغدادي، وانقطع به القول، فوصل منذر افتتاح أي علي بكلام عجيب، وأطال النفس في خطبة مرتجلة، فخرج الناس يتحدثون ببديهته المعجزة، وارتواء لسانه من اللغة الفصحى، ولا مرية في أن كرم الدولة باعث على إرتقاء حال اللغة عند من التفت إلى التاريخ، وأقام الوزن بين الشعراء الناشئين في زمن أجواد العرب، وملوك آل جفنة، وملوك لخم؛ كزهير والنابغة، وبين من تقدمهم من الشعراء.

* فصاحة مفرداتها ومحكم وضعها:

تتفرع العربية بحسب إختلاف الشعوب والقبائل إلى لغات متعددة، ولكنها متقاربة اللهجة في أوضاعها وتصاريفها وحركات إعرابها، والمغايرة بينها يسيرة جداً لا تخرجها عن اعتبارها في الأصل لغة واحدة ذات قوانين تطرد في جميعها، ما عدا لغة حِمير؛ فإنها تخالف لغة مضر خلافاً ظاهراً، ولا توافقها في أكثر أوضاعها ومقاييسها.

وأفصح لغات العرب لغة قريش، وفضلت عن سائر اللغات بوجهين:

أحدهما: بعدهم عن بلاد العجم من جميع جهاتهم، ولهذا لم يحتج أهل الصناعة العريية إلا بلسانهم، أو ما كان قريباً منه، ولم يعتمدوا لغات القبائل التي تجاور غيرها من الأمم؛ كلغة لخم وجذام وقضاعة وغسان، ولم يخالفهم في شرطهم هذا إلا أبو عبدالله بن مالك، فنقل في كتبه لغة لخم وقضاعة وغيرهم ممن يسكن أطراف الحجاز.

ثانيهما: أن العرب كانوا يفدون عليهم في موسم الحج، ويقيمون عندهم قريباً من خمسين يوماً، فيتخيرون من لغات أولئك الوفود ما تعادلت حروفه، وخف وقعه على الأسماع، ويرفضون كل ما يثقل على الذوق، ولا يجد