للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في السمع مساغاً.

ولا غرابة أن تجري الألفاظ في وصف الحسن والقبح مجرى جنسها الذي هو الصوت، فمن الأصوات ما يحدث في السمع لذة، ويرتاح الخاطر بالإصغاء إليه كنغم الأوتار، وسجع البلبل من الطير، ومنها ما يرميه الطبع، وينقبض لسماعه؛ كنعيق الغراب، وصرير آلة النشر.

ويمكن الحكم على اللفظ بالحسن وضده - ولو من غير العارف بمعناه - متى كان ذوقه صحيحاً، فكل ذي ذوق سليم يفرق بين الورد، والوردة، والخوجم والخوجمة، ويميز بين السيف والخنشليل، ولا تتشابه عنده النفس والجرشى.

وإذا كان إدراك صفة الحسن في اللفظ المفرد لا يتوقف على ملاحظة مدلوله، فيتيسر لمن لا يحسن لغة قوم أن يستمع إلى مفرداتها المستعملة عند الفحصاء منهم، ويستقرئها إلى أن يأتي على أكثرها، ثم يدخل إلى الحكم في وصفها بالفصاحة، أو الموازنة بينها وبين لغة أخرى، ولا يبالي. ومن أصغى جيداً إلى الألفاظ العربية الجارية على ألسنة الفصحاء، وجدها لذيذة في السمع، خفيفة على الأرواح.

حكى الشيخ ابن الأثير في "المثل السائر": أنه لقي رجلاً إسرائيلياً بالديار المصرية، قال: فجرى ذكر اللغة العربية وفصاحتها، فقال ذلك الرجل من بني إسرائيل: كيف لا تكون كذلك؛ فإن واضعها تصرف في جميع اللغات السالفة، فاختصر ما اختصر، وخفف ما ضف، فمن ذلك اسم الجمل؛ فإنه عندنا في اللسان العبراني: كوميل، فجاء واضع اللغة العربية، وحذف منه الثقيل، وقال: جمل، فصار عذباً حسناً، وكذلك فعل في كذا وكذا، وذكر أشياء كثيرة.