ونقل بعض المحررين أخيراً حكاية ابن الأثير، وقال: سمعت من بعض اليهود العارفين بالعبرية أن الجمل يسمى: جمال، فيكون الفرق بينهما الألف بعد الميم، وأنكر تسميته كوميلاً، إلا أن هذا يقرب من اسمه بالرومية.
ويشهد لبناء العربية على قاعدة الاعتدال: أن أكثر كلماتها وضعت على ثلاثة أحرف، وأقلوا من الرباعي والخماسي؛ لئلا يطول بهم الأمد في القول بدون فائدة، ولم يكثروا من الثنائي؛ حذراً من أن تتجاور منه عدة كلمات في خطاب واحد، فيقع في لهجته تقطع كثير يضعف بنسيجه، ويذهب بحسن تناسقه، وبهاء توسله؛ فإن المتكلم الفصيح - وإن وصل الجمل بعضها ببعض، ولم يقف عند انتهاء كل جملة منها - لا يسردها سرداً، بل يفصلها في منطقه، ويرتلها ترتيلاً يميز به المتثبت في تلقي الخطاب الكلم الداخلة في الجملة من الكلم المنفصلة عنها، وربما يتبين من هيئة نطق الفصيح نهاية الكلمات، فيميز السامع الحرف الذي هو منتهى كلمة، من الحرف الذي هو بداية لكلمة أخرى. والثلاثي يبتدئ فيه المتكلم بحرف، ويعتمد على ثان، ثم ينتهي بحرف آخر، فيكون في آلة النطق أمكن، وشماعده على أن ينحو في هيئة خطابه نحو المتانة والانسجام.
قال الباقلاني: ولضيق ما سوى كلام العرب، أو لخروجه عن الاعتدال يتكرر في بعض الألسنة الحرف الواحد في الكلمة الواحدة والكلمات المختلفة كثيراً؛ نحو: تكرر الطاء والسين في لسان يونان، ونحو الحروف الكثيرة التي هي اسم لشيء واحد في لسان الترك، ولذلك لا يمكن أن ينظم من الشعر في تلك الألسنة على الأعاريض التي تمكن في اللغة العربية. ولشدة محافظتهم على الاعتدال في الكلم يسقطون شيئاً من حروفها إذا عرض لها طول في بعض