يتعرض النحاة لمعاني الحروف، فيذكرون للحرف الواحد معنيين، أو معاني، كما يقولون في الباء: تأتي للسببية، والظرفية، والاستعانة، وإذا وقفت على ظاهر صنيعهم، تبادر إلى ذهنك أن الحروف التي تعددت معانيها من قبيل المشترك، وهو اللفظ الدال على معنيين فأكثر؛ بحيث يدل كل معنى مستقل عن الآخر دلالة لا يحتاج فيها إلى تطلب علاقة.
وقد رأينا كثيراً من محققي النحاة يعملون لتقليل معنى الحروف، فيأتون إلى كثير من الشواهد التي يريد بعضهم أن يثبت بها للحروف معاني زائدة على معانيها الكثيرة الدوران في كلام الفصحاء، ويردونها إلى المعاني المعروفة في الاستعمال، كما يفعل ابن هشام، ونجم الدين الرضي، وكما فعل السكاكي في كتاب "المفتاح"، وكذاك ينبغي أن تكون معاني الألفاظ المشتركة قليلة؛ فإن قلتها أعون على حسن البيان.
وقد تمر على قول النحاة: إن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، فيجعلك هذا القول في حيرة، أو يذهب بك في استعمالها على غير طريقة، تسمعهم يقولون: إن "في" - مثلاً - تكون بمعنى:"إلى"، أو تكون بمعنى:
(١) بحث طرحه الإمام في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ونشر في الجزأين السادس والسابع من المجلد السابع لمجلة "الهداية الاسلامية".