"الباء"، فتريد أن تذهب بذلك مذهب القياس، فتقول بدل "سرت إلى البحر": سرت في البحر، أو تقول بدل "بعته بدرهم": بعته في درهم.
وإذا مشيت على هذا الوجه من القياس، وقعت في لبس من القول، وأتيت بجمل تنبو عنها الفطرة العربية، وقد نقد أحد فلاسفة اللغة- وهو ابن جني- قول النحاة: إن الحروف يستعمل بعضها مكان بعض، ونبه لما في إطلاق هذه العبارة من فساد، فقال في كتاب "الخصائص": "هذا باب يتلقاه الناس مغسولًا ساذجًا من الصنعة، وما أبعد الصواب عنه، وأوقفه دونه! ". ثم قال:"ولسنا ندفع أن يكون ذلك كما قالوا، ولكنا نقول: إنه يكون بمعناه في موضع، دون موضع على حسب الحال الداعية إليه، والمسوغة له، فأما في كل موضع، وعلى كل حال، فلا". ثم أتى إلى كثير من الشواهد التي ساقوها على استعمال الحرف بمعنى الحرف؛ وخرَّجها على وجوه تبقى بها الحروف في معانيها المعروفة، واعتمد في هذه الوجوه على باب التضمين.
وقال ابن القيم في كتاب "بدائع الفوائد": "وظاهرية النحاة يجعلون أحد الحرفين بمعنى الآخر، وأما فقهاء العربية، فلا يرتضون هذه الطريقة، بل يجعلون للفعل معنى مع الحرف، ومعنى مع غيره، فينظرون إلى الحرف، وما يستدعي من الأفعال، فيشربون الفعل المتعدي به معناه، هذه طريقة إمام الصناعة سيبويه، وطريقة حذاق الصناعة، يضمنون الفعل معنى الفعل، لا يقيمون الحرف مقام الحرف. وهذه قاعدة شريفة جليلة المقدار تستدعي فطنة ولطافة في الذهن".
وخلاصة هذا المذهب: أن الحروف لا تستعمل إلا في معانيها الشائعة