في كلام الفصحاء، فإذا وجه إليك كلام، وظهر لك أنه قد أنيب فيه حرف مكان حرف، فإن هناك تضميناً، أو حذف كلمة يبقى به الحرف على حقيقته المعروفة في الاستعمال.
وإذا صرفت النظر إلى فن البيان؛ رجاء أن تجد فيه ما يزيد البحث وضوحًا، وجدتهم يعدون في قبيل الاستعارات: استعارة حرف لمعنى آخر. ولا يزيدون على أن يذكروا لك أمثلة قليلة؛ لتعلم منها كيف تجري الاستعارة في الحروف. غير أنك تحتاج بعد هذا إلى تفصيل القول في معاني الحروف، حتى تصرف المعاني التي وضعت لها الحروف على وجه الحقيقة؛ لتفرق بينها وبين المعاني التي تستعمل فيها على وجه المجاز. ولا لوم على البيانيين إذا لم يفصّلوا لك القول في معاني حروف الجر؛ فإن ذلك من شأن اللغوي الذي يبحث عن دلالات الألفاظ المفردة.
فإذا ضم المجمع اللغوي ما يقوله البيانيون إلى ما يقوله ابن جنّي وغيره من المتفقهين في العربية، أمكنه أن يقرر أن الحرف لا يستعمل مكان آخر إلا على وجه الاستعارة، أو على وجه التضمين. وعلى المؤلفين في العربية بعد هذا أن يقتصروا في بيان معاني الحروف على المعاني الحقيقية، وإن تعرضوا لما زاد على ذلك، فمع بيان أنها معان لم يوضع لها الحرف، حتى يكون الناشئ على بصيرة من أن استعمال الحرف في هذه المعاني من قبيل الاستعارة التي لا تتم إلا بملاحظة علاقة، ونصب قرينة.
وتتعرف المعاني الأصلية للحروف من نصوص علماء العربية، أو من تتبع موارد استعمالها، وكثرة دورانها في الكلام الفصيح.