فإن قال قائل: إن الصحابة - رضي الله عنه - كانوا لا يحتفلون بأمر الملبس والمطعم؛ فقد روي أن عمر بن الخطاب كان وهو خليفة يأكل خبز الشعير، ويلبس الثوب المرقع، فمن حق الولاة والعلماء من بعدهم أن يسلكوا هذه السيرة، وينحوا في الزهد هذا النحو، فإذا خرجوا عنه، كانوا موضع اللوم والإنكار؟
قلنا: لا لوم ولا إنكار، فسماحة الدين تسع المسلم أن يتبسط في ملبسه ومأكله، ومسكنه ومركبه، من غير إسراف، والأمر في هذا يختلف باختلاف البيئات والأزمنة، يدلكم على هذا: أن عمر بن الخطاب قدم الشام، فوجد معاوية بن أبي سفيان قد اتخذ الحجاب، والمراكب النفسية، والثياب الفاخرة، فسأله عن ذلك، فقال: إنا بأرض نحتاج فيها لمثل هذا، فقال: لا أقرك ولا أنهاك ... ومعناه: أن الأمر في هذا يرجع إليك، فإن كانت الحاجة تدعو إليه، فهو حسن، وإن لم تدع إليه حاجة، فهو إنفاق لأموال الأمة في غير حق، وعمر بن الخطاب الذي كان يأكل خبز الشعير بالملح كان يفرض لعامله نصف شاة كل يوم، قال شهاب الدين القرافي: يفعل عمر هذا؛ لعلمه أن الحالة التي هو عليها لو سلكها غيره، لهان في نفوس الناس، ولم يحترموه، وتجاسروا عليه بالمخالفة، فاحتاج عمر إلى أن يضع غيره في مظهر آخر أدعى للاحترام، وأحفظ للنظام.
* هل يدخل الورع في ترك المباح؟
وقع في أوائل القرن السابع خلاف بين طائفة من العلماء في المباحات، هل يدخلها الورع؟ فقال الأستاذ الأبياني: ليس في تركها ورع؛ لأن الورع مندوب إليه، وهذه المباحات قد سوّى الله بين فعلها وتركها، والندب مع التسوية لا يستقيم.