للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ووجهة نظر الجمهور في عدم الأخذ بهذه الشواهد، وحملها على الشذوذ أو الضرورة: أنها جاءت على خلاف أصل أصيل، وما يرد على خلاف الأصول المعتد بها، لا يجعل مقيساً إلا حيث تكثر شواهده حتى تدل على قصد العرب لاطراده.

ومقتضى هذا الأصل، وهو أن ترتب الألفاظ يكون على حسب ترتب المعاني في الذهن: أن يجيء المستثنى بعد المستثنى منه، وما نسب إليه من الحكم؛ نحو: قام الرجال إلا علياً؛ فإن مرتبة المُخرَج بعنوان أنه مخرج متأخرة عن مرتبة المخرج منه، سواء قلنا: إن المستثنى مخرج من المستثنى منه، أو من الحكم المتعلق به، ولكن أكثر في الاستعمال تقدمه على المستثنى منه؛ نحو: جاعني إلا زيداً القوم، أو على الحكم فقط؛ نحو: القوم إلا زيداً إخوتك، فبقيت مسألة تقدمه عليهما معاً على أصل المنع، وقد جوزها الكوفيون قياساً؛ والحق أن مخالفة الأصل بكل واحد من أمرين على انفراده، لا تدل على جواز مخالفته بالأمرين كليهما.

* القياس في الفصل:

الأصل في الألفاظ المربوط بعضها ببعض من جهة المعنى: أن لا يلقى بينها بفاصل، وقد خالفوا هذا الأصل في مواضع كثيرة، حتى دخل بعضها في فنون البلاغة؛ كالفصل بين مفعولي "رأيت" في مثل قول الشاعر:

ويمتحن الدنيا امتحان مجرب ... يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا

أو بين النعت والمنعوت؛ كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: ٧٦]، ويجب النظر في قوة الارتباط وضعفه في هذا المقام، فيكفي من الشواهد الواردة في الفصل بين ما ضعف ارتباطهما ما لا يكفي