لم يدَع الإسلام وسيلة من وسائل الرقي إلا نبه علمِها، وندب إلى العمل بها، وهذا شأنه في الرحلة، فقد دعا إليها رامياً إلى أغراض سامية، منها: طلب العلم، قال تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة: ١٢٢].
ويلحق بالتفقه في الدين: كل علم يعد في وسائل الرسوخ في علوم الدين؛ كالنحو، والبلاغة، بل يلحق بالتفقه في الدين كل علم يتوقف عليه استقلال الأمة وسلامتها من أيدي أعدائها؛ كفنّ صنع الغواصات والطيارات وما شاكلها من وسائل القوة المشار إليها بقوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: ٦٠].
ومن هذه الأغراض: الاعتبار بأحوال الأمم الماضية، قال تعالى:{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}[الأنعام: ١١].
ويلحق بأحوال الأمم الماضية: أحوال الأمم الحاضرة، متى كان في النظر إليها عبرة ينتفع بها في وجه من وجوه الإصلاح.
ومن هذه الأغراض السامية: التخلص من دار البغي والضلال إلى الإقامة في دار عدل وهداية، قال الله تعالى:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[النساء: ١٠٠].
هذه الآية وأمثالها واردة في قوم كانوا يقيمون في دار غواية وعسف، وكان في هجرتهم إلى المدينة بعد عن مشاهدة المنكرات، وشد لأزر المسلمين، وتكثير لسوادهم، فإذا تشابهت البلاد في الاستخفاف بأمر الدين، فعلى كل عالم أن يجاهد في الدعوة إلى الحق والإصلاح أينما كان.