قد أريناك أن اللغة العربية بالغة من حسن البيان ما ليس بعده مرتقى، وكانت تجري مع العلوم والحضارة جنبًا لجنب، فلا يقف عالم أو خطيب أو شاعر، إلا وجد في غزارة مادتها داحكام أساليبها، ما يمكنه من إبراز الحقائق أو المتخيلات في برود ضافية محبَّرة. ثم أدركها نقص منذ حين، وأخذت تتباطأ في مسايرة العلوم والمدنية، حتى تقدمها كثير من اللغات النامية، وأصبحت هذه اللغات تجول في كثير من العلوم والفنون، وتعبر عن معان تقف دونها اللغة العربية صامتة.
ولم تقع اللغة العربية في هذا التباطؤ لقلة مفرداتها، أو ضيق دائرة تصريفها، أو إبايتها نقل بعض كلماتها عن معانيها الأصلية إلى معان أخرى تناسبها، ولو كان لشيء من هذا دخل في تباطئها؛ لعذرنا أولئك الذين يحاولون صرف الألسنة عنها، ويدْعون إلى أن تأخذ كل جماعة بلغتها المعتلة المشوهة، ولعذرنا أولئك الذين يدعون إلى استعمال الألفاظ الأعجمية، وحشرها في منشآتنا وأشعارنا وخطبنا ومحاوراتنا، وإنما علة ذلك النقص: غفلةُ إلمعهودِ إليهم بالقيام على حياة اللغة، ومسايرتها للعلوم والفنون والمدنية.
والوسيلة التي تنهض باللغة، وترفعها إلى مستوى اللغات الراقية، هي الوسيلة التي نهضت بتلك اللغات الحية، وجعلتها تسير مع العلم والحضارة كتفًا لكتف؛ أعني: تأليف مجمع لغوي ينظر فيما تجدد أو يتجدد من المعاني، ويضع لكل معنى لفظًا يناسبه، ولا عجب أن تكون اللغات الأجنبية الراقية قائمة بحاجات العلم والمدنية؛ وأن يكون باللغة العربية خصاصة من هذه الناحية؛ فإن أصحاب تلك اللغات قد سبقونا إلى عقد المجامع اللغوية منذ