سردنا في هذا الصدد سبعين قصة، لما دلت على شيء أكثر من أن في الشعر العربي انتحالاً، وهذا أمر يستوي في العلم به صغار القراء وكبارهم.
* انتحال الشعر وتلفيقه في حياة المسلمين:
قال المؤلف في (ص ١٢٤): "كل شيء في حياة المسلمين في القرون الثلاثة الأولى كان يدعو إلى انتحال الشعر وتلفيقه، سواء في ذلك الحياة الصالحة حياة الأتقياء والبررة، والحياة السيئة حياة الفساق وأصحاب المجنون".
جاء الإِسلام لينبت على ظهر هذه البسيطة رجالاً يمثلون الأحلام الراجحة، والسيرة القيمة، وتلقاه القوم الذين ملؤوا أعينهم بمشاهدة سيرة الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم -، وأعلام نبوته، فكانوا المثل العالي لصدق اللهجة، ومضاء العزيمة، وحسن النظر في السياسة، وإذا ظهر العالم الإِسلامي بعد ذلك العهد في حال غير ملتئم، فإنما هو زمامه يقع في أيد تديره على غير بصيرة. وإذا ظهرت طائفة من المسلمين في حال تنبو عنها عين الأديب أو العالم، فإنما هي نفوسهم لم تكن على أثارة من هداية القرآن.
لم يكن المسلمون في الاستقامة والصدق كالحلقة المفرغة، والعارفون بتاريخ صدرهم الأول لا يقبلون هذا الذي يقوله المؤلف من أن كل شيء في حياة المسلمين كان يدعو إلى انتحال الشعر وتلفيقه، وكبر جناية على التاريخ والمنطق أن يقال: إن كل شيء في حياة الأتقياء والبررة في تلك القرون كان يدعو إلى انتحال الشعر وتلفيقه؛ فإن مغزى هذا: أنه ليس هناك أتقياء ولا بررة، ولكن التاريخ يحدثنا بأن الذين كانوا يحيون حياة الأتقياء والبررة غير قليل، ويحدثنا علم النفس بأن التقي البارّ لا يتأثر بشيء من تلكم الأسباب تأثراً يدعو إلى اصطناع شعر، وإضافته إلى غير قائله.