شبَّت اللغة العربية في ربوع عدنان وقحطان، فصيحةَ الكلمات، محكمة الأساليب، وكانت تسير بعهد الجاهلية على قدر سيرهم في الحياة الفكرية والمدنية حتى طلع الإسلام، فوجد في حكمة وضعها، وقوانين استعمال ألفاظها، ما يساعد على توسيع دائرتها، وإعلاء سمائها، وتكثير طرق بيانها، فاتخذها لسان دعوته الحكيمة، فأصبحت هذه اللغة تنتقل مع الدعوة الإسلامية حيثما انتقلت، ودخلت في أمم ذات علوم خصبة، وحضارة بعيدة المدى، فلم تقف وقفة اللغة المعسرة، لا تجد في ألفاظها ولا أصول وضعها واستعمالها ما يكفي حاجات العلوم والحضارة، بل كانت اللغة التي تسع العلوم على اختلاف موضوعاتها، والحضارة على كثرة مظاهرها، فنهضت بالعلوم الشرعية والعربية، والفنون الأدبية، وصارت لسان الفلسفة والسياسة، ولا يعرض معنى غامض إلا دلت عليه بأسنى عبارة، وأضفى بيان.
وَسِعت هذه اللغة العلمَ والسياسة والصناعة وضروب المعاملات، وكل معنى يراد نقله من ذهن إلى آخر، وساعدها على ذلك كله غزارةُ مادتها،
(١) مجلة "مجمع اللغة العربية" بالقاهرة - الجزء الأول - تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٣٤.