قال المؤلف في (ص ٣٥): "وإذا لم يكن نظم القرآن، وهو ليس شعراً، ولا مقيدًا بما يتقيد به الشعر، قد استطاع أن يستقيم في الأداء لهذه القبائل، فكيف استطاع الشعر، وهو مقيد بما تعلم من القيود، أن يستقيم لها، وكيف لم تحدث هذه اللهجات المتباينة آثارها في وزن الشعر وتقطيعه الموسيقي؛ أي: كيف لم توجد صلة واضحة بين هذا الاختلاف في اللهجة، وبين الأوزان الشعرية التي كانت تصطنعها القبائل؟ ".
إن كان المؤلف يكتب لأولي الألباب، فأولو الألباب لا ينزلون إلى فهم ما يقوله، إلا أن يأتي إلى الفوارق بين لهجات العرب، ويريهم كيف يأبى بعض هذه اللهجات أن يفرغ في الأوزان التي استقرأها الخليل. والفوارق التي ذكرها في القراءات مما تحتمله هذه الأوزان جميعاً، فإن أراد فوارق غيرها، واعتذر بأنه لا يعرفها، فخير له أن يكتم هذا البحث حتى يقف عليها، وتكون ملموسة له، أو كالملموسة، ثم يتحدث بها على بينة، ويجد يومئذ من أولي الأبصار سامعًا وظهيرًا.
* القرآن لم يفرض على العرب لغة واحدة:
أورد المؤلف سؤالاً ملخصه: أن اللهجات استمرت قائمة بعد القرآن، وفي هذا العهد كانت القبائل تتعاطى الشعر، وإذا استقامت لهم أوزانه، مع اختلاف اللهجات بعد الإسلام، فما الذي يمنع من أن تستقيم لهم في العصر الجاهلي؟.
ثم قال كالمجيب عن هذا السؤال في (ص ٣٥): "ولست أنكر أن اختلاف اللهجات كان حقيقة واقعة بعد الإِسلام، ولست أنكر أن الشعر قد استقام