يسبق إلى الأذهان: أن الفتى حديث السنن؛ لقلّة ما مر عليه من التجارب، تخفى عليه عواقب الأمور، ويقصر باعه عن حل المعضلات، وتصريف الأمور بحكمة، ومن هنا نرى الناس يحتملون أخطاء الشباب أكثر من احتمالهم أخطاء غيره، ويعتذرون عنه بحداثة سنِّهِ، كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لمن أنكر عليه عزل خالد بن الوليد من قيادة الجيش الفاتح للشام: إنك حديث السنن, مغضب في ابن عمك.
وهذا حق بالنظر إلى الشباب الذين ينشؤون نشأة عادية، فتنمو عقولهم على قدر ما يمر عليهم من السنين، وعلى قدر ما يلاقون من تجارب الحياة.
ما استقامت قناةُ فكري ... إلا بعد أن أعوجَ المشيبُ قناتي
ولكن التاريخ والمشاهدة يدلان على أن في الشباب من يبلغ في حصافة العقل، وحسن التدبير، المنزلةَ الكافية لأن يلقى على عاتقه ما يلقى على عواتق الكهول أو الشيوخ من عظائم الأمور.
وفي مثل هذا الفتى يقول بعض الأدباء:"قد لبس شبابه على عقل كهل، ورأي جزل، ومنطق فصل، حمدت عزائمه، قبل أن تحمل تمائمه"، وفي
(١) مجلة "الهداية الإِسلامية" - الأجزاء الثاني والثالث والرابع من المجلد الثالث عشر.