مثل هذا يقول آخر:"وكان بارعاً في العلم، أو السياسة إلى درجة تسمو على سنِّه"، وفي مثل هذا الفتى يقولون: "كان حسن السيرة، رفيقاً بالرعية، على حداثة سنِّه)، وقد يقولون: لا تنظر إلى صغر سن فلان، وانظر إلى عظم ما بلغه من المجد, كما قال البحتري:
لا تنظرن إلى الفياض من صغر ... في السنن وانظر إلى المجد الذي شادا
إن النحوم نجومَ الأفق أصغرها ... في العين أذهبها في الجو إصعادا
وإذا قلبنا صفحات التاريخ, دلتنا على رجال ظهرت عبقريتهم وكفايتهم للقيام بأعمال جليلة، وهم في أوائل عهد شبيبتهم.
نقرأ في السيرة النبوية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولّى عتاب بن أسيد مكة وقضاءها، وهو في سن الحادية والعشرين، وولّى معاذ بن جبل على اليمن وهو دون سن العشرين، وولّى أسامة بن زيد إمارة جيش فيه الشيخان أبو بكر وعمر، وسن أسامة يومئذ تسع عشر سنة، وولّى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كعبَ بن صور قضاء البصرة وهو في سن العشرين. وكان يدعو ابن عباس في المعضلات، ويجلسه بين الأشياخ، وهو دون سن العشرين.
وقلّد عثمان - رضي الله عنه - عبد الله بن عامر ولاية البصرة، وهو ابن خمس وعشرين سنة، قاد الجيوش، وفتح ما بقي من بلاد الفرس، حتى انقرضت على يده الدولة الساسانية، وولّى الحجاج محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم الثقفي قيادة جيش أخمد ثورة في الفرس، وقيادة جيش افتتح السند، وكان عمر هذا القائد سبع عشرة سنة، حتى قال فيه بعضهم:
قاد الجيوش لسبع عشرة حجَّة ... يا قربَ ذلك سؤدداً من مولدِ
وظهر نبوغ مخلد بن يزيد المهلبي في أوائل عهد شبابه، وفيه يقول