منذ أن سلك - رضوان الله عليه - طريق الرشاد، وقد راقبت عيناه الجنود الأغراب في تونس، يجوسون خلال الديار، ويعتدون على الأعراض والأموال والأرواح، وينشرون المهانة والمذلة. منذ الخطوة الأولى التي ضربها على الطريق، وفي ذلك الجو المرعب المخيف الذي كان مخيماً على المدن التونسية، وعلى المغرب العربي من حولها، والاستعمار الفرنسي القبيح بوحشيته الكاسرة وجرائمه البشعة التي تهز كل فؤاد هلعاً وخوفاً. نجد الإمام ينظر إلى تلك الأمة المنكوبة في دينها وحريتها وكرامتها، ويرى فيها السكون والركود، فيدعوه إيمانه القوي المتين إلى أن يخوض ساحة المقاومة والمجابهة من أول أبوابها. وهو باب تهيئة النفوس للثورة على الظلم، وشحنها بمهيئات الانتفاضة والتمرد على الطغيان بوجهيه الممثل بالاستعمار الفرنسي البغيض، والخونة من عبيد الحكم الذين مهدوا الطريق له، وأعانوه على شروره وآثامه، ودافعوا عن مصالحهم ومآربهم الخبيثة من خلال تثبيت رأسه وقدمه في البلاد، وكانوا أعوانه وأعضاده، وفي بعض الأحيان المدافعين عن وجوده وبقاء احتلاله المقيت، وكانوا بيده سوطاً على العباد.
من يجرؤ أن يقول كلمة حق في وجه مستعمر جائر؟!
من يستطيع أن يهمس -حتى إلى نفسه- بكلمات الحرية والعدالة الاجتماعية والجهاد؟!