تؤدَّى الدعوة باللسان تارة، وبالقلم تارة أخرى. ولكل منهما مقام هو أحق به من الآخر؛ ففي الناس من يُسعده لسانه، فيعبر كيف يشاء، ويمسك القلم، فلا يجده مطواعاً. وفي الناس من إذا نطق، وقع في كبوة، واذا كتب، أباع، وبلغ ببيان ما يجول في ضميره الأمدَ الأقصى.
فينبغي للداعي أن يُبصر في نفسه، ويعرف من أي صنف هو، ثم يأخذ الناس بالطريق التي يركبها ذلولًا. فإن كان الداعي طلق اللسان، بليغ القلم، راعى في إرشاده حال المدعوين؛ فإن الناس طبقات، وإذا استوى في نظر الطبقة المستنيرة الخطيب البارع والكاتب الفائق، فإن الخُطب أسرع إلى فهم العامة، وأنهض بهم إلى ما تأمر أو تنهى، ولشدة ما تؤثر الخطب في نفوسهم ترى الرئيس المستبدّ يحنق على الخطباء كبر مما يحنق على الكتّاب.
والدعوة بالكتابة أوسع جولة، وأخلد أثراً، ومن فوائدها: إرشاد من لا يمكنك أن تخاطبه فوك إلى أذنه، وإرشاد المنحرفين عن السبيل، مع البعد من ساحتهم، والسلامة من أن يواجهك سفهاؤهم بالسخرية والأذى.
عُني الإسلام بالخطابة، فشرعّ الخطب أيام الجمع والأعياد؛ ليقوم فيها الخطيب بإرشادٍ يراعي فيه حال الأمة، فيقرع أسماعها بالموعظة الحسنة، ويستنهضها للأعمال الكافلة بعزها في الدنيا، وسعادتها في الأخرى.