للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتمييز بين مَن وقف ينادي للإصلاح صادقاً، ومن لبس قميص المصلح عارية- لدنيا يصيبها، أو وجاهة يتباهى بها - إنما تَهدي إليه الفراسة المهذَّبة، والاختبار الصحيح: فإذا أبصرنا داعياً ذا يسار، ولم يظهر في طبيعته حرص على نماء ما بين يديه من المال، أو قام يدعو فريقاً ليس من دأبهم بسط أكفهم بصلة الدعاة، فما كان لها أن نرميه بتهمة القصد إلى اصطياد ما في خزائن الناس من زينة هذه الحياة.

ويدلك على سلامة نيته من إحراز رياسة أو وجاهة: أن ينشأ في بيت مساجد، ويحوز في الشرف مكانة سامية، فيقوم وهو يشعر بأن مجاراته للقوم، وإغضاءه عما يشاهدهم عليه من العوج يزيد في إقبالهم عليه، ويضع قلوبهم في الرضا عن سيرته، فيضرب عن مداجاتهم، ويناضلهم بالحجة، ولا ينفكّ يعرض شمس الحقيقة على أبصارهم وهم لها كارهون.

ومن شواهد طيب السريرة: أن ينادي قومه للإصلاح سنين، ويتمادى في سعيه المتواصل إلى آخر رمق من حياته، دون أن يفل عزمه تباطؤهم عن إجابته، أو مقابلتهم لصنيعه بالكفران. والشأن فيمن انطوى صدره على سريرة غير طيبة أن يبتغي إليها الوسيلة، فإذا أبطأت به، ولم تقع عينه إلا على خيبة وإخفاق، ملّ العمل، وصرف جهده إلى وسيلة أخرى.

والذي يواصل سعيه، وينفق معظم حياته في الدعوة، قد نصفه بسلامة النية، وإرادة الخير لقومه، ولكنا لا ننعته باسم: "المصلح"، إلا إذا صفا منهجه، واستقامت آراؤه، فمن الدعاة من تطيب سريرته، ويخلص قصده، وإنما يخونه قلة بضاعته في العلم، أو قصور نظره عند قياس الأشياء بأشباهها، أو اقتباس الفروع من أصولها.