إقامة الحق في الأولى تعود عليه بمنفعة، فكان من أشياعه، وإطفاء نوره في المرة الأخرى لا يذهب بحظ من لذائذه، فلم يأسف للقضاء عليه.
ومن الناس من يضمن في نفسه لبانة لا تنالها يده إلا بمساعدة قومه، فينصب اسم "الإصلاح" شرَكًا لاستعطافهم والتفافهم حوله، فإذا ضحك الإقبال في وجهه، وحان قِطاف أمنيته، انصرف عن معاضدة العدل، وعرَّى أفراسَ الدعوة ورواحلها.
تهافت كثير من أصحاب الضمائر المعتلة على منصب "الدعوة"، واجتهدوا في كتم سرائرهم بغاية ما يستطيعون، وما لبثوا أن انكشف سرهم، وافتضح أمرهم، سنّة الله في الذين يظهرون بغير ما يعلمون من أنفسهم، وهذا ما يجعل أذكياء الناس يحترسون ممن يخرج في زي مصلح أشد مما يحذرون المجاهر بإرادة العنت والفساد، فأخو العشيرة إذا ظهر لهم في ثوب الناصح الأمين، انخدع لأقواله أهل الغباوة، والتبس حاله على كثير من أهل النباهة، فيجد سبلاً مفتوحة ونفوسًا متهيئة لقبول ما يدسه في مطويّ كلامه، ويكنّه تحت اسم الإصلاح من مقاصد سيئة، فيكون كيده أقرب إصابة، وأنفذ رميةً من خطر المبارز لهم بالعداوة والعمل على شقائهم، فإن من يكشف لهم عن بطانة صدره لا يرميهم بالمكايد تحت ستار، ولو رماهم بها في مواربة، لوجدوا من شعورهم بطويته ما يحملهم على سوء الظن به، وينقذهم من الوقوع في حبائله.
ونحن نرى الذي يصدّون عن الإسلام من المخالفين له علانية لم ينالوا بين الأمم الإسلامية إلا خَيبة وخسارًا، ورأينا الفئة التي ما برحت تُذكر في حساب المسلمين- وهي تحمل لهم عداوة الذين أشركوا- قد فعلت في فريق من شبابنا ما تقر له عين الأجنبي الذي يحاول أن تكون سلطته خالدة.