ووقع اختياره على العلة الاستعمارية، فتشبث بها، وزاد عليها ملاحظة الحروب العنيفة التي شبت بين اليهود والعرب، وجعل أيام تلك الحروب أقدم عصر يمكن أن تكون قد نشأت فيه فكرة وضع القصة. هذا مبلغ علمه من التاريخ، وهذا ما اكتفى به في دعوى اضطراره إلى الاعتقاد بأن في القصة نوعاً من الحيلة. وقد نظر جرجي زيدان في المسألة من وجهتها التاريخية البحتة، وتعرض في كتاب "العرب قبل الإسلام"(١) لما جاء في التوراة والقرآن، ثم قال:"وليس لدينا مصادر أخرى تنافي هذه الرواية، أو تؤيدها". وهذه الكلمة أقصى ما يقوله الباحث غير المسلم متى وقف على جانب من الإنصاف، ولكن المؤلف يقصد التشفي من غيظه على دين لا يرضى عن الإباحية المتهتكة.
زعم المؤلف أن اليهود اخترعوا هذه القصة لتأكيد الصلة بينهم وبين العرب، ثم قال: إن فيها نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين الإسلام واليهودية، والقرآن والتوراة، ويعني بهذا: أن محمداً - عليه الصلاة والسلام - اتخذها أيضاً وسيلة إلى عقد الصلة بين الإسلام واليهودية، وبين القرآن والتوراة؛ ليأخذ الأمة اليهودية بزمام الاحتيال إلى اعتناق الدين الذي قام يدعو إليه، وهو الإسلام. وسنعرج على هذا الرأي في مناقشة الفقرات الآتية؛ لأن المؤلف أعجب به، وطفق يعيده على قراء كتابه مرة بعد أخرى.
* الحروب بين العرب واليهود:
قال المؤلف في (ص ٢٦): "فنحن نعلم أن حروباً عنيفة شبت بين