هؤلاء اليهود المستعمرين، وبين العرب الذين كانوا يقيمون في هذه البلاد، وانتهت إلى شيء من المسالمة والملاينة، ونوع من المحالفة والمهادنة. فليس يبعد أن يكون هذا الصلح الذي استقر بين المغيرين وأصحاب البلاد منشأ هذه القصة التي تجعل العرب واليهود أبناء أعمام".
قد عرفت أن هذا الرأي غنمه المؤلف حين غزا "ذيل مقالة في الإسلام"، غير أن صاحب "الذيل" يقول: إن اليهود قالوا للعرب: نحن وأنتم إخوة، وذرية أبي واحد، وكأن المؤلف لم ترقه هذه العبارة، فحولها إلى زعم أنهم قالوا لهم: نحن وأنتم أبناء أعمام.
دخل اليهود البلاد العربية محاربين مستعمرين، وبعد أن ألقت الحرب أوزارها، وانعقدت بينهم وبين العرب مسالمة ومحالفة ومهادنة، اصطنعوا هذه القصة التي تجعل العرب واليهود إخوة كما يقول صاحب "الذيل"، أو أبناء أعمام على ما يقول المؤلف!.
يخطر هذا التعليل على قلب من لم يدرس طبائع الأمم عامة، وطبيعة الأمة العربية خاصة، أو درسها، ولكنه يتغابى عنها في كل حين يدعوه ذوقه وهواه إلى أن يصطنع له حديثاً، ولا يجد مندوحة من التغابي عنها أو الانسلاخ منها.
لم يكن العرب في زعم المؤلف أو صاحب "الذيل" يعرفون الأصل الذي ينتمون إليه، حتى حاربهم اليهود، أو طمعوا في نجدتهم، فاصطنعوا لهم أصلاً ربطوا به قبائلهم، وهو إسماعيل أخو إسحاق بن إبراهيم -عليهم السلام -.
لنقل: إن العرب كانوا يجهلون الأصل الذي ينتمون إليه، وإنهم بلغوا الغباوة أن تصنع لهم الجالية اليهودية نسباً، فيقبلوه على اختلاف قبائلهم،