قال المؤلف في (ص ١٣): "أو كان القدماء غير مسلمين؛ يهوداً أو نصارى أو مجوساً أو ملحدين، أو مسلمين في قلوبهم مرض، وفي نفوسهم زيغ، فتأثروا في حياتهم العلمية بمثل ما تأثر المسلمون الصادقون، تعصبوا على الإسلام، ونحوا في بحثهم العلمي نحو الغضّ منه، والتصغير من شأنه، فظلموا أنفسهم، وظلموا الإسلام، وأفسدوا العلم، وجنوا على الأجيال المقبلة".
العلوم إما عائدة إلى العقل، وما كان المسلمون ليقلدوا فيها يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو ملحداً أو مسلماً، ولو كان ناسكاً تقياً، وإما عائدة إلى الشرع، وهذه إما أن تكون رواية، والرواية لا يتلقونها إلا من مسلم بلوا سيرته، فكانت مظهر الصدق والعدالة، وإما أن تكون استنباطاً، والذين استنبطوا، وتقلد الجمهور مذاهبهم كانوا على ذكاء واستقامة؛ بحيث لا يدرج بينهم متعصب على الإسلام ينحو نحو الغفمنه والتصغير من شأنه. وقد وضعوا فوق هذا موازين يعرف بها صحيح الرواية من سقيمها، ويميز بها خالص الآراء من رديئها. وإما أن تكون أدباً أو تاريخاً، وهذه الفنون -وإن أخذ منهم نقدها وتمحيصها أقل مما أخذ من العلوم الشرعية- قد أقاموا لها معالم تهتدي بها الأجيال المقبلة، وتكفيهم شر أولئك المتعصبين، وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن الجوزي قد نقدا صاحب "الأغاني" الذي يستمد منه المؤلف أدبه، وعلموا الأجيال المقبلة أنه لا يوثق بروايته، ولا يعول عليه في تحقيق علم أو تاريخ.