وتتحرى نظام سياسته، فالنبي - عليه السلام - وحزبه من المهاجرين والأنصار، إنما يجاهدون في سبيل هذه المبادئ والمقاصد التي نزل بها القرآن في أحسن تقويم، فمحاربة المسلمين للمشركين يومي بدر وأحد لا يقصد بها إلا ظهور الإسلام، ونشر مبادئه، ونفاذ أوامره، وإذا نالت. أحد هؤلاء المجاهدين إمارة، أو حياة ناعمة، فتلك سنّة الله في الذين يجاهدون فينتصرون.
* مكافحة الهجَّائين بسلاحهم:
انقاد المؤلف بزمام المناسبة إلى الحديث عما أحدثته الهجرة النبوية من العداوة بين مكة والمدينة، أو بين قريش والأوس والخزرج بعد أن توثقت صلات الود بينهما، وذكر أن الشعر اشترك في هذه العداوة مع السيف، وأن شعراء الأنصار وشعراء قريش وقفوا يتهاجون.
ثم قال في (ص ٥٠): "ويجب أن يكون هذا الهجاء قد بلغ أقصى ما يمكن من الحدة والعنف؛ فإن النبي كان يحرض عليه، ويثيب أصحابه، ويقدمهم، ويعدهم، مثل ما كان يعد المقاتلين من الأجر والمثوبة عند الله، ويتحدث أن جبريل كان يؤيد حسّاناً".
لم يجئ الإسلام ليلقي بين القبائل عداوة، ولا ليطلق ألسنة الشعراء بالهجاء، ولكنه فتح بصائر الأوس والخزرج، فرأوا أبا جهل وشيعته في عماية، وتمنوا رشدهم، فاستحبوا العمى على الهدى، وإذا كانت القبيلتان تتفقان في الجاهلية على ضلالة، وتقتربان في شقاء، فإن اختلافهما بالهداية خير من ذلك الاتفاق، وتباعدهما بالسعادة أفضل من ذلك الاقتراب.
أما الهجاء، فالناس يعلمون ما للشعر من الاتصال بالنفوس، وما له من الأثر في استهواء القلوب، ولما جعل المشركون يسطون على مقام النبوة