خرج - عليه الصلاة والسلام - على حين غفلة من أولئك الملأ الذين ائتمروا به، خرج ولا رفيق له من أصحابه سوى أبي بكر، وتواريا في غار ثور حذراً من أن تقع عليهما عين مشرك، وكذلك رسل الله يأمنون ويحذرون، وقد أتى القرآن على هذه الواقعة في آية:{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة: ٤٠].
وإسناد الإخراج في الآية إلى الذين كفروا؛ لأنهم تصدوا إلى ما يقتضي خروجه، وهو إذايتهم له بأشد مما كانوا يصنعون.
نزل الرسول - صلوات الله عليه - المدينة، وحوله حزب استيقن أن هذه الدعوة حق، ووطّد نفسه لكل ما يلاقيه في سبيلها من خطوب، ولم يكن يخفى على الرسول - عليه السلام - أن أشد الناس عداوة لهذه الدعوة، وأجمعهم قوة على محاربتها: مشركو قريش، وإذا كان عبدة الأوثان في مكة هم أشد الناس داعية إلى محاربة دين الحق، بل كانوا أول من بسطوا أيديهم إلى أوليائه بالسوء والأذى، كان من مصلحة هذه الدعوة أن تبتدئ بعمل الوسائل لإخلاء مكة وبناء إبراهيم وإسماعيل من رؤوس تسجد للّلات والعزّى، وقلوب لا تضمر لحماة هذه الدعوة إلا شراً.
فالرسول - عليه السلام - وحزبه الطامح إلى السعادة الخالدة، لم ينتضوا سيفاً، أو يهزوا أسلاً، أو يرموا نبلاً؛ ليظفروا بملك، أو ليستأثروا بسلطة، كما يحاول المؤلف أن يصوره لقراء كتابه. والحق أن الإسلام عقيدة وشريعة ونظام، ولا بد لهذه الحقائق من حماية، ولا حماية إلا بقوة وسلطان.
وإذا كان من مقاصد الإسلام إنشاء دولة تجري على قانون شريعته،