بل هو يتناول الأمة العربية، أو الحجازية على أقل تقدير لمن تذعن، والطرق التجارية لمن تخضع".
نشأ محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - في بيئة تعبد الأصنام نشأة رشد وصدق وعفاف، وقد آمن بنبوته رجال من كبار قومه يعرفونه كيف ولد، وكيف شبّ، وأين يذهب، ومن أين يجيء، ولو لم يعرفوه رشيداً صادقاً عفيفًا، لذكروا ما يعرفونه له من هفوة أو هفوات، وكانت هذه الذكرى عرضة في سبيل إيمانهم، وسلاحاً يقفون به في وجه دعوته، فإيمان كثير من عظماء عشيرته الذين هم على كثب من سيرته يرقبونها بكرة وأصيلاً، يشهد بأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - شبّ في طهر واستقامة، وصدق لهجة وأناة.
قضى محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين حجة في سيرة تلألأ صدقاً ووفاء وتؤدة، فإذا هو بعد الأربعين يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة، لا يهاب جبارًا، ولا يحابي قريباً، ولا يبالي أن يتهكم به غير حليم.
أبصر أولئك القومُ الذين يعترف المؤلف بذكائهم ودهائهم واستنارتهم تلك الآيات المحكمات حقاً، فكانوا كلما استطاعت طائفة منهم أن تخلص من أهوائها، وما وجدت عليه آباءها، اطمأنت إلى دعوته، وانتصرت لما آمنت به، وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب.
لم يدخر المشركون وسعاً في أذى المؤمنين، حتى ألجؤوا فريقاً منهم إلى الهجرة، وأخذوا يأتمرون في شأن الرسول - عليه الصلاة والسلام -, وقد تعرض القرآن لهذه المؤامرة، وحكى الآراء التي دارت بين المؤتمرين فقال:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال: ٣٠].