وقال الأستاذ بهاء الدين الحموي: قد يكون في تركها ورع؛ فإن السلف كانوا يزهدون في كثير من المباحات، وساق في الاستشهاد على هذا الرأي قوله تعالى:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}[الأحقاف: ٢٠].
والحق أن ترك المباح في نفسه ليس من الورع في شيء، فمن ترك طعاماً لذيذاً، أو ثوباً نفيساً، وهو يستطيعه، قاصداً التقرب إلى الله تعالى بهذا الترك، فقد أخطأ طريق التقوى، أما إذا ترك نوعاً من الزينة أو اللذة لغرض محمود في لسان الشارع؛ كأن يتركه في بعض الأوقات حذراً أن تجر المداومة عليه أو الإكثار منه إلى اعتياده، وصعوية الصبر عليه عند فقده، فذلك مما يصح أن يدخل في باب الورع، وعلى مثل هذا يحمل ما يروى عن بعض السلف من تركهم الزينة أو بعض الملاذ وهم يقدرون عليها.
وأما الآية، فإنما وردت فيما يقال للكفار يوم القيامة، وأصلها:{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}[الأحقاف: ٢٠]؛ أي: ليس لكم حظ من الطيبات إلا ما أصبتموه في دنياكم، فلا شاهد في الآية على أنّ تناول المؤمن من الطيبات في الدنيا ينقص نصيبه منها في الآخرة، ولا أن تركه لجانب منها في هذه الحياة يستحق به المثوبة في تلك الحياة.
* قبول عطايا الأمراء الظالمين:
اختلف الفقهاء في الاستمتاع بالمال يأتي ممن يغلب على ماله الحرام، فاستحلّه قوم، وحرّمه آخرون، واستدل المجيزون بأن جماعة من أئمة السلف أدركوا أيام بعض الأمراء الظالمين، وقبلوا عطاياهم؛ كما قبل أبو هريرة، وأبو سعيد الخدري عطايا يزيد بن عبد الملك، وقبل ابن عمر، وابن عباس عطايا الحجاج، وأخذ مالك من الخلفاء أموالاً جمة، وأخذ الشافعي من هارون الرشيد