فلغات العرب العدنانية تختلف على حسب الوجوه التي أومانا إليها، وهذا الاختلاف المعقول لا يجد فيه المؤلف دليلاً أو شبه دليل على أن الشعر الجاهلي مختلق، وإن ساقه هنا بتوهم أنه قائم مقام مقدمتين صادقتين لا مردَّ لهذه الدعوى عن أن تكون وليدتيهما، وقد أريناك فيما سلف نوعاً من الأسباب التي تجعل هذا الاختلاف قليل الظهور في أشعار الفصحاء، وسيوافقك البحث بعد هذا بما يدحر هذه الشبهة عن سبيلك.
* العزلة العربية:
قال المؤلف في (ص ٣٢): "ولا سيما إذا صحت النظرية التي أشرنا إليها آنفاً، وهي نظرية العزلة العربية، وثبت أن العرب كانوا متقاطعين متنابذين، وأنه لم يكن بينهم من أسباب المواصلات المادية والمعنوية ما يمكن من توحيد اللهجة".
أتدري ما هي نظرية العزلة التي أشار إليها آنفاً، وودّ في هذا الفصل أن تصح، وتستقيم له؟ هي تلك النظرية التي رماها على كتاف "الذين تعودوا أن يعتمدوا على هذا الشعر الجاهلي من درس الحياة العربية قبل الإسلام"، وشن عليها الغارة بنكير لا هوادة فيه، وكنا قد أمطناها عنهم ببيان أن في الشعر الجاهلي نفسه ما يدل على أنهم كانوا يتصلون بالأمم المجاورة لهم بمقدار.
أنكر المؤلف نظرية العزلة العربية حين رآها تعترض ما أراده من أن للجاهليين اتصالاً بالعالم الخارجي! ووذ في هذا الفصل أن تستقيم له؛ لأنها تؤيد نظرية عدم التقارب بين لغات القبائل العربية!.
ولعله يعود فيقول: إنما أنكر اعتزال العرب للأمم الأخرى، وأما حالهم