مما تكلفت المشاهدة ببيانه، أن الاسترسال مع الأهواء كلما دعت، ومحاذاة الأغراض أينما توجهت، يفضي إلى فوات المصالح الأُخروية والدنيوية، ويقضي بالتخبط في مضاجع الفساد، وأشدها وطأة قطع رابطة الأخوة بعد توكيدها.
ولذلك انعقد الإجماع بين جميع الشرائع على ذم كل من اتخذ إلهه هواه، بل تجد الأمة التي لا شريعة لها، ولكنها عنيت بإصلاح شؤونها الدنيوية، لا تألو جهداً في كبحها لجماح كل من تَعبَّدَه الهوى في نظر عقولهم، ويسمونه السياسة المدنية.
كما أن إيداع الأنفس في أسر الضغط وحرمانها من سائر حظوظها، يثبطها عن النهوض بأعباء ما يضرب عليها من التكاليف، فمن الحكمة أن يُتوخى بها طريق معتدل يكون بين ذلك قواماً.
ولما كان العقل وحده غير كاف لتحري ذلك الطريق، فأحياناً يهمل النظر، وآونة يهوي به الخطأ في مكان سحيق، جاءت الشريعة المحمدية في الاحتياط لدرء كل مفسدة، وجلب كل مصلحة بالحكمة البالغة، وما يعقلها