لاجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام الشرعية كابن حزم يسلمون أنه - عليه الصلاة والسلام - قد يختار أحد وجهين أجازهما الشارع، ويقولون: لا مانع من أن يختار غير الأولى منهما، ولكنه لا يقر على ذلك.
فإذا كان سوقه للهدي من قبيل اختيار العمل بأحد الجائزين، فإذا عرض حال يستدعي اختيار الجائز الآخر، وهو عدم سوق الهدي، كان له أن يختاره، ولا يعد هذا الاختيار اجتهاداً في تقرير حكم شرعي، فعدم سوقه الهدي حيث ينبني عليه موافقة أصحابه، وانشراح صدورهم لفعل ما يأمرهم به من الإحلال، يصح اختياره بدل سوق الهدي، فمعنى "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي": لو كان هذا الوقت الذي ظهر فيه تحرج أصحابه من اختلاف حالهم عن حاله هو الوقت الذي كان قد أحرم فيه، لاختار عدم سوق الهدي.
* قضاؤه - عليه الصلاة والسلام -:
ما زال كاتب المقال يتحدث عما قام به النبي - صلى الله عليه وسلم - بحق بشريته، حتى قال:"وكان يحكم في الحوادث الجزئية التي ترفع إليه، ويعتمد في حكمه على البينات، وحجج الخصوم، ويقول: لعل أحدكم ألحن بحجته، فإنما أنا بشر".
جعل الكاتب قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - مما قام به بحق بشريته، ونحن نعلم أن الله أمره بأن يحكم في الحوادث التي ترفع إليه، وأمره ان يحكم بين الناس بما أنزله عليه، قال تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}[المائدة: ٤٩]، ولكونه - عليه الصلاة والسلام - يحكم بما أنزله الله وأراه الله، كان عدم الرضا بحكمه خروجاً عن شرع الله، ونكثاً لليد من عروة