قلتها - معروفة عند علماء الشريعة، ولا يبنون عليها شيئاً أكثر من أنها تزيد الناس تذكرة ببشرية الرسول، وتحميهم من أن يتجاوزوا به مقام الرسالة إلى مقام الربوبية.
وإذا استدل بها بعضهم على أنه يجتهد في تقرير الأحكام، فقد أريناك أن القائلين باجتهاده مجمعون على أن اجتهاده هو والوحي على سواء.
وأما حديث:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت"، فأصله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم بحج، أو بحج وعمرة، وساق الهدي، وأصحابه أحرموا كذلك، ولم يسوقوا هدايا، فلما قدموا مكة، وطافوا بالبيت، وسعوا بين الصفا والمروة، أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه الصلاة والسلام - الصحابة أن يحلوا من إحرامهم بعمل العمرة، وقال لهم: أقيموا حلالًا، حتى إذا كان يوم التروية، فأهلّوا بالحج، ولكنه - عليه الصلاة والسلام - بقي محرمًا، وقال لهم:"فلولا أني سقت الهدي، لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله".
وشق على الصحابة أن يحلوا وهو محرم، وترددوا في الإحلال، فقال - عليه الصلاة والسلام - تطييبًا لخواطرهم:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي".
أورد كاتب المقال هذا الحديث شاهداً على أنه - عليه الصلاة والسلام - يرجع عن اجتهاده باجتهاد، ولم يبين ما هو الاجتهاد الذي رجع عنه، وليس في الحديث ما يدعو إلى فهمه على هذا المعنى، ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مخيراً بين أن يسوق الهدي، وأن لا يسوق، فسوقه الهدي كان من قبيل الأخذ بأحد أمرين جائزين، واختيار أحد أمرين جائزين لا يعد اجتهاداً في تقرير حكم شرعي، فقد يفعله من لم يبلغ رتبة الاجتهاد في الأحكام الشرعية، ولهذا نرى المنكرين