إن لبن المرأة يتغير أيام الحمل تغيراً يؤثر في صحة الرضيع، أما وطء المرأة وهي مرضع، فقد سألنا عنه بعض الأطباء في هذا العصر، فكانوا يجيبون بأنهم لا يعرفون لضرره وجهًا، وحملُ كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معنى لا شبهة فيه، أرجحُ من حمله على معنى تحوم عليه شبهة.
عرضت واقعة الغيلة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينزل فيها وحي خاص، ولكن أمامه قواعد شرعية، منها: قاعدة: "الضرر يزال"، والشأن في تقرير حكم هذه الواقعة الرجوع إلى ما يقوله أهل التجارب من نحو الأطباء؛ لأن الضرر في مثلها لا يدرك بقوة الفكر ووفور العقل، وكان شائعًا عند العرب أن في الغيلة ضررا على الرضيع، ولهذا جرت عادة المستطيعين منهم أن يتخذوا لأولادهم مراضع، وسبق إلى ظن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ما شاع عند العرب من ضرر الغيلة قد يكون واقعاً، وبدا له أن ينهى عنها, إشفاقًا على الرضعاء، ثم نظر - عليه الصلاة والسلام - إلى أمتين من غير العرب، وهما الفرس والروم يصنعون الغيلة، ولا تضر أولادهم؛ إذ لو ظهر منها ضرر، لتنبه له أطباؤهم، وعرفه أهل التجارب منهم، وشاع أمره فيما بينهم، وهذا ما عدل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - عن النهي عنها إلى العود بها إلى أصل الإباحة، وقد دلّ - عليه الصلاة والسلام - على أنه لم يتكلم في الغيلة عن وحي، وإنما تكلم فيها على رعاية المضار والمصالح التي يؤخذ فيها بأقوال أهل التجارب؛ إذ قال:"ثم ذكرت أو نظرت أن فارس والروم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم شيئاً".
وقد أريناك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يفعل شيئاً يظنه الأَولى، ثم يتبين له أنه خلاف الأَولى، وقد يقول قولًا يبنيه على ظن، ثم يتبين له أن الواقع على خلاف ما ظنه، ووقوع أشياء معدودة من هذا النوع لا تمس الرسالة بشيء، فإنها - على