قال كاتب المقال:"لما تمت الهجرة، دخلت الدعوة في عهد جديد تكونت به للمسلمين وحدة اقتضت معاملات ونظماً اجتماعية تمتاز بها عن سائر الجماعات".
"وبعد ذلك الحين اتجه الوحي إلى جهة أخرى تسير مع مقتضيات الحالة الجديدة، وتلبي مطالب هذه الأمة الناشئة، واتجه النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الاتجاه نفسه، فأضيف بذلك إلى وظيفته في التبليغ وظائف أخرى، فكان إماماً للمسلمين، يسوسهم، ويرعى دولتهم، وينظم شؤونهم، وكان مفتياً يجيبهم عما يسألون، ويعلمهم ما يجهلون، وكان قاضياً يفصل في خصوماتهم، ويقضي بينهم معتمدًا على ما يظهر به الحق من البينات والأدلة".
ذكر الكاتب العهد الجديد الذي تكونت به للمسلمين وحدة معاملات، ونظم اجتماعية، ووصف الوحي بأنه اتجه إلى جهة تسير مع مقتضيات هذه الحالة الجديدة، ثم وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه اتجه هذا الاتجاه نفسه، وتخلص من هذا إلى أنه قد أضيف إلى وظيفته في التبليغ وظائف أخرى هي: الإمامة والفتوى والقضاء، وإليك ما نفهمه من تلبية الجهة التي اتجه إليها الوحي لمطالب هذه الأمة الناشئة:
أراد الله تعالى أن يهدي الناس - أينما وجدوا ومتى وجدوا - طريق الحق والإصلاح، وأن تكون هدايتهم بطريق رسالة عامة، لباسها الحكمة، وزينتها البلاغة، ونصيرها الحجة، واصطفى لهذه الرسالة محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وأخذ يمده بالوحي الفينة بعد الفينة، إلى أن تكامل الدين، وانتظمت الشريعة:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}[المائدة: ٣]، وكان من حكمة الوحي