للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقف عندها، وأوزاناً ينتهي إليها، والقرآن يصوغ الموعظة، وينفق الحكمة بغير ميزان، ولكن ضاقت عليهم مسالك الجدال، وانسدت في وجوههم طرق المعارضة، فلم يبالوا أن يتشبثوا بالدعاوى التي يظهر بطلانها لأول رأي، كما قالوا عنه: إنه مجنون، وهم يشهدون في أنفسهم أنه أبلغهم قولاً، وأقواهم حجّة، وأنطقهم بالحكمة.

وأما الآيات التي وافقت بعض الأوزان، فهي على سلامتها من بهرج التخيلات لا تجد الموافق منها للموزون قد استقل بنفسه، وأفاد المعنى دون أن تصله بكلمات من الآيات السابقة أو اللاحقة، والكلام المؤلف من الموزون وغير الموزون لا يصح لأحد أن يسميه شعراً ليقدح به في قوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: ٤١].

* التخييل عند علماء البلاغة:

ينقسم التصرف في المعاني على ما يقول الشيخ عبد القاهر الجرجاني إلى: تحقيق، وتخييل، والفارق بينهما: أن المعنى التحقيقي ما يشهد له العقل بالاستقامة، وتتضافر العقلاء من كل أمة على تقريره، والعمل بموجبه؛ كقول المتنبي:

لايسلمُ الشرفُ الرفيع من الأذى ... حتى يراقَ على جوانبهِ الدمُ

فمعنى هذا البيت مما تلقاه العقلاء بالقبول، ووضعوه بمقدمة ما يتنافسون فيه من الحكم البالغة، وكذلك اتخذه الأمراء الراشدون قاعدة يشدون بها ظهر سياستهم، ويستندون إليها في حماية شعوبهم، ومن الذي يجهل أن حياة الأمم إنما تنتظم بالوقوف في وجه من يتهافت به السفه على هدم شرفها، والاستئثار بحقوقها؟!.