والتخييلي: هو الذي يردّه العقل، ويقضي بعدم انطباقه على الواقع، إمّا على البديهة؛ كقول بعضهم:
لولم تكن نيّةُ الجوزاء خدمتَه ... لما رأيتَ عليها عِقْدَ مُنْتَطِقِ
فكلُّ أحد يدرك لأولِّ ما يطرق سمعه هذا البيت: أن الكواكب لا تنوي، ولا تنطق، ولا تخدم، وأن تلك النجوم المتناسقة في وسط الجوزاء مركّبة فيها من قبل أن يصير الممدوح شيئاً مذكوراً.
أوبعد نظر قليل؛ كقول أبي تمام:
لا تنكري عَطَلَ الكريمِ من الغنى ... فالسيلُ حربٌ للمكانِ العالي
نهى المخاطبة في صدر البيت عن إنكارها لفاقة الكريم وفراغ يده من المال، وأخبر في العجز بأن السيل لا يستقر على الأماكن المرتفعة، وهذا المعنى في نفسه صحيح، ولكنّ الفاء في قوله:"فالسيل حرب" أفصحت بأن السبب في عدم توفر حطام الدنيا لدى الكريم، هو كون الماء إذا وقع على الأماكن العالية لا يلبث أن ينحدر إلى ما انخفض عنها من وهاد وأغوار، وهذا إنما وصل إلى الذهن بتخييل أن رفعة القدر بمنزلة المكان الحسي، وأن الماء الدافق ينساق إلى الرجل فيقضي منه وطره، ثم يرسله إن شاء إلى بنىِ الحاجات، فيكون القول بأن مكانة الكريم لارتفاعها جعلت المال يمر على يده، ثم ينطلق بالبذل والإنفاق، يستند إلى أن الماء يجتمع على ما صعد على وجه الأرض من أكمات وهضاب. وهذا القياس ضرب من التخييل لا يجول في العقل إلا ريثما ينظر إلى أن السبب في عدم استقرار الماء على الأماكن العالية كونه جرماً سيالاً لا تتماسك أجزاؤه وتثبت في محل إلا إذا أحاط بجوانبه جسم كثيف، وليس للدراهم والدنانير هذه الطبيعة حتى يلزم