عليم بإبدال الحروف وقامع ... لكل خطيب يغلب الحقَّ باطله
ومما يؤخذ به الخطيب: أن ينطق بالألفاظ في عجل حتى يصل الحرف أو اللفظ بأخيه قبل أن يستقر الحرف أو اللفظ الأول في موضعه، والأدب الجميل: أن يمكن الحروف تمكينًا، ويفصل الكلمات تفصيلاً، وكذلك كان كلام أفصح الخليقة - صلوات الله عليه -, قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: ما كان رسول الله يسرد سردكم هذا, ولكنه كان يتكلم بكلام بيِّنٍ فصلٍ، يحفظه من جلس إليه.
* حسن الإلقاء:
لاختيار المعاني وحسن تنسيق الألفاظ وقع في نفوس السامعين بليغ، ومما يزيد الخطبة حسناً على حسنها: أن يجيد الخطيب إلقاءها، ونعني بإجادة الالقاء: أن لا يستمر في نطقه بالجمل على حال واحدة، بل تكون الجمل متفاوتة في مظاهرها؛ من نحو رفع الصوت وخفضه، وتفخيمه وترقيقه، والوقوف عند جملة، أو وصله بأخرى، والضغط على الكلمة، أو التلفظ بها في هوادة، وأنتم تعلمون أن من هيئات النطق بالجملة ما يشعر بابتهاج الخطيب أو حزنه، ومنها ما يلائم الجمل التي يلقيها وهو واثق بصحتها، ومنها ما يلائم الجمل المرسلة لتهكم أو مزاح، ومرجع هذا كله إلى ذكاء الخطيب، وسلامة ذوقه.
وجودة إلقاء الخطبة هي التي تجعل لسماعها فضلاً على قراءتها في صحيفة، وكم من خطبة يحسن الرجل إلقاءها، فيجد الناس في سماعها من الارتياح وهزة الطرب فوق ما يجدونه عندما يقرؤونها في صحيفة، أو يستمعون