من الحقائق ما لا يسعى إليه الباحث إلا على مسالك الظنون، ولا يجد السبيل إلى أخذه بما فوق الاحتمال الراجح، وأكثر مباحث تاريخ الأدب من هذا القبيل، فتغيير الأدب على معنى البحث في نسبة قصيدة أو بيت إلى شاعر، لا يزال بابه مفتوحاً على مصراعيه، وأما تغييره بقلب رأسه على عقبه، فإن الأقلام التي يمكنها أن تعمل في سبيله لم تنبت بعد.
فلسنا ممن يدعي أن في مؤلفات الأدب تبياناً لكل شيء، أو يبرئها من أن تكبو في بعض المباحث، أو تنطوي بعض رواياتها على دَخَل، فذلك ما لا يستطاع الخلاص منه، وهذا صاحب كتاب "في الشعر الجاهلي" على الرغم من قبضه على منهج "ديكارت"، ونعيه الاطمئنان إلى ما يقوله القدماء، قد اطمأن في كثير من هذا النحو الجديد من البحث إلى ما يرويه صاحب "الأغاني" وغيره، وسنريك أن في تلك الروايات ما لا يقبله إلا ذو عاطفة ثائرة.
* اللذة في اعتناق الحكمة:
تحدث المؤلف عن أنصار الجديد، ووصف الطريق أمامهم بأنها معوجة ملتوية ذات عقبات لا تكاد تحصى. وهم لا يكادون يمضون إلا في أناة وريث.
ثم قال في (ص ٥): "ذلك لأنهم لا يأخذون أنفسهم بإيمان ولا اطمئنان، أو هم لم يرزقوا هذا الإيمان والاطمئنان؛ فقد خلق الله لهم عقولاً تجد في الشك لذة، وفي القلق والاضطراب رضاً. وهم لا يريدون أن يخطوا في الأدب خطوة حتى يتبينوا موضعها، وسواء عليهم وافقوا القدماء وأنصار القديم،