نعرض على حضرات القراء صفحة من حياة شخص غزير العلم، رائع الأدب، صافي الذوق، كامل الخلق، هو القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني، من أعيان القرن الرابع.
نشأ أبو الحسن في "جرجان"، وتقلب في البلاد للقاء كبار العلماء والأخذ عنهم، فدخل "نيسابور"، وطاف العراق والشام وغيرها، وأحرز في العلوم والآداب منزلة يشار إليها بالبنان. قال مؤرخوه:"لم يزل أبو الحسن يتقدم حتى ذكر في الدنيا"، ووصفه صاحب "يتيمة الدهر" فقال: "هو فرد الزمان، ونادرة الفلك، وإنسان حدقة العلم".
ويعد أن بلغ الذروة في العلم والآداب، عرج على حضرة الصاحب بن عباد، فعرف قدره، وتمسك بصحبته، وكاد من شدة اختصاصه به لا يستطيع مفارقته، فكان لا يفارقه كما قال الصاحب في بعض رسائله:"مقيماً، وظاعناً، ومسافراً، وقاطناً". وتأخذ هذا من كتاب بعث به الصاحب إلى حسام الدولة العباسي تاشي الحاجب يوصيه فيه بمساعدة القاضي في كل ما يحتاج إليه عندما استأذنه في زيارة "جرجان"، فقد فقال: "فإن رأى الأمير أن يجعل من حظوظي الجسيمة عنده تجهد القاضي أبي الحسن فيما يعجل رده، فإني
(١) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الأول من المجلد العشرين.