ما غاب كالمضل الناشد، واذا عاد كالغانم الواجد، فعل إن شاء الله".
وكان الصاحب يتلقاه في "جرجان" بإقبال وإكرام أكثر مما يتلقاه به في غيرها من البلاد، قال القاضي: وقد استعفيته يوماً من فرط تحفيه بي، وتواضعه لي، فأنشدني:
أكرم أخاك بأرض مولده ... وأمده من فعلك الحسن
فالعز مطلوب وملتمس ... وأعزّه ما قيل في الوطن
ثم قال له: قد فرغت من هذا المعنى في قصيدتك العينية، فقلت: لعل مولانا يريد قولي:
وشيدت مجدي بين قومي فلم أقل ... ألا ليت قومي يعلمون صنيعي
فقال: ما أردت غيره.
وتولى قضاء "جرجان" على يد الصاحب، ثم تولى قاضي القضاة بالري، واستمر على ذلك إلى أن توفي، وكان حسن السيرة في قضائه.
ويصفه المؤرخون، فنرى فيما يصفونه به خصالاً تعد أصولاً في مكارم الأخلاق؛ كصدق اللهجة، وعزة النفس، وشرف الهمة، ومن شواهد هذا: أبياته المنقطعة النظير في تصوير الاعتزاز بالعلم وسمو الهمة، وهي:
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما
وما كل برق لاح لي يستفزني ... ولا كل أهل الأرض أرضاه منعما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما ... بدا طمع صيرته لي سُلَّما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرساً وأجنيه ذلة ... إذاً فاتباع الجهل قد كان أحزما