ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
وقد لهج بهذا المعنى في شعره، وقال من أبيات:
فإن لم يكن عندالزمان سوى الذي ... أضيق به ذرعاً فعندي له الصبر
وقال توصل بالخضوع إلى الغنى ... وما علموا أن الخضوع هو الفقر
وللقاضي ديوان شعر، وقد يعرج في شعره على الصاحب بن عباد، أو غيره من أقرانه الذين كانوا يمنحونه الوداد، وينظرون إليه بعين الإجلال، فكان يخاطبهم بلسان الشعر كالمجازاة على ما يلاقي من إسعادهم، وصدق مودتهم له، وقد رأيتم كيف كان الصاحب بن عباد يطلق لقلمه أن يثني عليه بأبلغ الثناء، ويسمي صلة الود بينهما إخاء، ولا يأبى أن يثني عليه في شعره.
قال القاضي: انصرفت يوماً من دار الصاحب قبيل العيد، فجاءني رسوله بعطر العيد، ومعه رقعة بخطه فيها هذان البيتان:
يا أيها القاضي الذي نفسي له ... مع قرب عهد لقائه مشتاقَهْ
أهديت عطراً مثل طيب ثنائه ... فكأنما أهدي له أخلاقَهْ
ونظر القاضي إلى ما يفضي إليه اقتراض المال وصرفه في شهوات النفس من سوء العواقب، فحاول معالجة هذا المرض بحكمة بالغة، فقال:
إذا رمت أن تستقرض المال منفقاً ... على شهوات النفس في زمن العصر
فسل نفسك الإنفاق من كنز صبرها ... عليك وإنظاراً إلى ساعة اليسر
فإن أسعفت كنت الغني وان أبت ... فكل منوع بعدها واسع العذر
ولم يكن القاضي بارعاً في صناعة الشعر فحسب، بل كان مبدعاً في النثر أيضاً، كما وصفه صاحب "يتيمة الدهر"، فقال: يجمع خط ابن مقلة،